الأربعاء، 9 مايو 2012

لغة الدوبيت

الاخوه الكرام لكم التحيه ,,


الدوبيت يحمل في طياته الكثير من الكلمات التي هي في قمة الفصاحه وهذه الكلمات انقرضت في التعامل الجماهيري العربي

وظلت حبيسة المعاجم العربيه وبادية السودان في لغة الدوبيت , وكثير من المثقفين يعتبرون هذه الكلمات لغرابتها انها عاميه

وحتى لا نطيل دعوني أورد كلمتين فقط لنقيس عليها . والكلمتان هما ( القارح ) و (السِمِع ) بكسر السين والميم وسكون

العين .

القارح كلمة تقال لذوات الحوافر وهي مرحله عمريه من حياة الحيوان وعندما يقال الحصان قارح أو الثور الوحشي قارح

فمعناها أنه أكمل حولين . ودعوني أورد مافي المعاجم :

والقارحُ من ذي الحافر: بمنزلة البازل من الإِبل؛ قال الأَعشى في الفَرس:والقارح العَدَّا وكل طِمِرَّةٍ، لا تَسْتَطِيعُ يَدُ الطويلِ قَذالَها

وقال ذو الرمة في الحمار: إِذا انْشَقَّتِ الظَّلْماءُ، أَضْحَتْ كأَنها وَأًى مُنْطَوٍ، باقي الثَّمِيلَةِ، قارِحُ والجمع قَوارِحُ وقُرَّحٌ، والأُنثى قارحٌ

وقارحةٌ، وهي بغير هاء أَعلى. قال الأَزهري: ولا يقال قارحة؛ وأَنشد بيت الأَعشى: والقارح العَدَّا؛ وقول أَبي ذؤيب: حاوَرْتُه،

حين لا يَمْشِي بعَقْوَتِه، إِلا المَقانِيبُ والقُبُّ المَقارِيحُ قال ابن جني: هذا من شاذ الجمع، يعني أَن يُكَسَّرَ فاعل على مفاعيل، وهو

في القياس كأَنه جمع مِقْراح كمِذْكار ومَذاكير ومِئْناث ومآنيث؛ قال ابن بري: ومعنى بيت أَبي ذؤَيب: أَي جاورت هذا المرثِيَّ حين

لا يمشي بساحة هذا الطريق المخوف إِلا المَقانِيبُ من الخيل، وهي القُطُعُ منها، والقُبُّ: الضُّمْرُ.

وقد قَرَحَ الفرسُ يَقْرَحُ قُرُوحاً، وقَرِحَ قَرَحاً إِذا انتهت أَسنانه، وإِنما تنتهي في خمس سنين لأَنه في السنة الأُولى حَوْلِيّ، ثم جَذَعٌ

ثم ثَنِيّ ثم رَباعٌ ثم قارح، وقيل: هو في الثانية فِلْوٌ، وفي الثالثة جَذَع. يقال: أَجْذَع المُهْرُ وأَثْنَى وأَرْبَعَ وقَرَِحَ، هذه وحدها بغير أَلف.

والفرس قارحٌ، والجمع قُرَّحٌ وقُرحٌ، والإِناثُ قَوارِح، وفي الأَسْنان بعد الثَّنايا والرَّباعِيات أَربعةٌ قَوارِحُ. قال الأَزهري: ومن أَسنان

الفرس القارحانِ، وهما خَلْفَ رَباعِيَتَيْهِ العُلْيَيَيْنِ، وقارِحانِ خلف رَباعِيَتَيْه السُّفْلَيَيْن، وكل ذي حافر يَقْرَحُ.

وفي الحديث: وعليهم السالغُ والقارحُ أَي الفرسُ القارح، وكل ذي خُفٍّ يَبْزُلُ وكل ذي ظِلْف يَصْلَغُ.





وكثيراً مانجد هذه الكلمه في فن الدوبيت فانظر أحدهم قال :


كفات بالشمــــال اسد الكــــرايا القارح

وحجر غابتو تب منع البفر والسارح

مـــــن نتراتوالـــداره تصبح طـــارح

قمر السبعتين المو هـــلا ل البــــارح

وقال احدهم يمجد البطانه :

خـــريفك زينه ..حنـــتوتك شبك متطـــارح

بدان بقرك ..تورهــــــــن بجعر قــــــــارح

معزول بهمك ..مخيل من ضباع وجوارح

رتع بى الوعـــــر غنمك نبـــاتك صـــــالح


وفي الاغنيه المشهوره :

شدوا لي قارحو المقلد

ونهم تيـــلادو المـــولد

نفض الكيس لينا جرد

وشويم لي الدمعو برد

بريدو ود شيوخ البطانه ...

وقال ودشوراني :

قـــــال لي قارح الريل القِمِح شـــــــــــرًاعو

ماتهددني بي طول النقيب و وساعو


وهم بذلك قد اتبعو درب كبار شعراء الفصحى ومنهم : الأخطل عندما قال :

وقارِحُ عامَينِ، قَدْ طارَتْ نَسيلَتُهُ..... سُنْبُكُهُ، مِن رُضاض المرْوِ، مفلول

وقالت الخنساء ترثي صخر :

ولَلْمَـــوْتُ خيرٌ من حياةٍ كأنَّها ..... مَحــــلّة يعسوبٍ برأسِ سِـــنانِ

فلو أن حيا فائت الموت فاته .....الحرب فـــــوق القــــارح العدوان


وقال الاخطل يصف مطيته بحمار الوحش :

كأني اغول الارض عني بقارحٍ .... أخي قفرةٍ قد طار عنه نسائله

طوى بطنه طول السياف وألحقت .... معاه بصلبٍ قد تفلق قائله



الم اقل لكم ولكم الود







الثلاثاء، 6 سبتمبر 2011

القمريه مابين الفرجوني والأخطل

قد يلاحظ الباحث في بعض الاحيان تشابهاً كبيراً في الصور الشعريه لشاعرين مختلفين وهذا مايسميه استاذتا الدكتور ابراهيم القرشي بوقع الحافر على الحافر , وهذا يظهر جلياً خاصه بين شعراء الدوبيت في بادية السودان المختلفه وبعض الشعراء العرب القدامى , وقد يعزى هذا لتشابه البيئه الرعويه وبيئة الباديهالتي عاش فيها كلٌ منهم وكمثال على هذا دعوني اليوم أتطرق لقصة التشابه الجميل بين قصيده لشاعرين
مختلفين في المكان والزمان وهما الشاعر الكبير أحمد عبد الله البنا ( الفرجوني ) ذلك الشاعر الفذ وأحد أساطين الدوبيت أو الغنا كما يجب أن نسميه وغياث بن غوث بن الصلت والملقب بالأخطل والذي عاش في الباديه بين دجله والفرات تماماً كما الشاعر الفرجوني الذي عاش بين بادية النيل الازرق ونهر عطبره والدندر والرهد وهي بادية البطانه فللشاعر الفرجوني مسدار سماه مسدار القمريه , وهو عباره عن قصة دراماتيكيه يعبر فيها عن شوقه للمحبوبه التي كانت بعيدةُ عنه كما كانت محبوبة الأخطل كذلكً وسوف اتناول الابيات أو المقاطع التي وقع فيها التشابه فقط دون سرد القصيدتين كاملتين لطولهما وأنا لا أريد أن أطيل على القاري لذلك سوف اتناول أبيات بعينها يكون التشابه في الغرض واضحاً و ما يبرر رأيي , فكلا الشاعرين تطرق للحمى التي تصيب العاشقين بسبب الفراق وتطرقا للبكاء والدموع التي تنهمر بالليل كل ما طرأت ذكرى أو طاف طائف أو برق برق ماطر يذكر بالظعن أو مر عابر فالشاعرين كانا يبكيان وكانا يعانيان من الحمى والسهر فقال الأخطل في ذلك :

ظللت بها أبكي وأشعرُ سُخنةً ..... كما أعتاد محموماً مع الليل صالبُ
هلاليةُ شطَت بها غُربة النوى ..... فمن دونها بابٌ شـــديدُ وحـــاجبُ

وأما الفرجوني فقال في ذلك :

كل ماشاف برق في القبله ياخُد وجَه
يتقافى المـــــــنام من عينو ياخد لجَه
نيران الجحيم ليهو في الفراش مِنقجَه
ودكتور الغـــرام مع أهلو عامل حِجَه

وبكاء الفرجوني يظهر في قوله :

براي خلتني زي جاهلاً يتيم إتلفت
تقِطر عيني بالدمعه الرويه إتصفت

فقرر الفرجوني أن يرسل قمريه إلى محبوبته لتحمل سلامه وأشواقه وأخباره , والقمريه لمن لا يعرفها فهيمن جنس الحمام وهي من الدخاخيل ونحن في الريف نسميها ( الدباسه ) ولها طوق من الريش الاسود في عنقها أو بدونه , وأما إختيار الفرجوني لهذا الطائر لم يكن خبط عشواء فهو ومن سبقه اختارو هذا الطائرلأن من طبعه أنه لا يريد إلا زوجه فقط إلا أن يموت أحدهما , ويعود دائماً إلى وكره ولو كان بعيداً ويطير
بسرعه ويقطع مسافات طويله , ويخشى الشاهين وهو من الصقور لأنه أسرع منه وإذا رأته فيصيبها كما يصيب الحمار لو رأى الأسد .ومن الصدف الجميله أن الشاعرين جعلا الصقر يعترض طريق القمريه , ويركزان على وصف قوة الصقر وشدة جوعه وحدة بصره وقوة مطاردته للقمريه ليمهدان مسرح العقل حتى يدرك مدى الخطر الذي سوف تواجهه هذه القمريه في مسيرها ليجعلونا نتشوق و ننتظر كيف سوف تنجو القمريه من هذا الخطر الماحق فقال الفرجوني في وصف الصقر :

الصـــــقر المضر لا حسب لا راعى
لي مركب غرامي الجبدولها شراعه
شافا وإنعدل ختف الجـــــناح بسراعه
وإتجمع تقول حرحافا ماضيه ضراعه

وقال أيضاً فيه :
ياصقر السواد عينك تشــوف الإبره
يخرخر ماها جدول لا تطيب لا تبره

فالفرجوني صور لنا الصقر بالعدو الذي يملك أقوى أدوات القتال والمطارده , من عدم الحنيه والمراعاه وجناح سريع للكفت , والتنبه والبصر الحديد الذي باستطاعته أن يرى الابره في القش ولو كان في الجو .وأيضاً الأخطل وصف لنا الصقر وجوعه فجعل بصره حديد كما الفرجوني , وشبهه بالرادار أو جاسوس الجيش الذي لا تفوته فائته وهو يراقب الأفق , والصقران كانا في جوع شديد من شدة البرد الذي سببته الأمطار في أول النهار فقال الأخطل :

رجعتُ به يرمي الشخوص كأنه ...... قطامي طيرٍ أثخن الصيد خاضبُ
أحمُ حـــــديد الطرف أوحش ليلةً ..... وأعوزه أذخـــــاره والمكـــــــاسب
فظلَ إلى نصـــــف النهــــار يلفه ... بذي الحرث يوماً ذو قطارٍ وحاصبُ
فــأصبح مرتبياً إلى راس رُجــمةٍ ..... كما أشرف العـــلياء للجيش راقبُ
يقلبُ زرقـــاوين في مجـــــــرهدةٍ ..... فلا هو مسبوقٌ ولا الطرف كاذبُ

أختار الفرجوني أن يصعب مشوار القمريه التي أرسلها , حتى يصعب من مسيرها ويجعله صعباً لنعرف مدى المعاناة التعي عانتها من أجل توصيل الرساله , فجعل الصقر بكل الخطوره التي بينها لنا سرعته وقوته وجوعه وشراسته جعله يعترض تلك القمريه بنية أن يصطادها ويأكلها .أيضاً أختيار القمريه للصقر كما قلنا لم يكن خبط عشواء إنما لأن الصقور تحب لحم ذلك الطائر وتفضله من بين سائر الطيور وثانياً لأن القمريه أسرع من الصقر ليأخذانا إلى مطاردةٍ مثيرةٍ مسرحها الجو والأرض
الجرداء المجرهده , والخلا المنطرح واقوق كما يصفه الفرجوني , ومنظر المطارده هذا قد يعيه تماماً أبناء الريف لأنه حدث يحدث بأستمرار أمام أعينهم من مطاردة الصقور لأغلب الطيور , والحداة في خطف صغار الدجاج من أمام المنازل , ورسما لنا صوره جميله عن كيف يتطاردا ويعلوان في السماء ويغيبا عن الأنظار ثم يهبطان في خفه وسرعه ونهم وخوف وكيف كلٌ منهما يبذل قصارى ماعنده من جهد لينجح فقال الفرجوني
علَق فوق تقول نجمه وهجع شاتيها
جاها يخوي متل الصاقعه متواتيها
هيًق للكفِت لكـــــــين وقــع خــاتيها
قيع وإنعدل عـــــــقبان سبح بي تيها
****
حسَت بي هواهو إتدلدمت وإنصرت
وإنبرمت متل مُترار فـــــلانه الترَت
هوت بالصقيعه تقــــــول نجمةً خرَت
وخوَت جو تقول طنوب وجيبةً درت
****
غتسن في السما وقطعن سبيبة الشـــوف
عُقُب إتدنقسن لي الأرض يسوَن فُـــــوف
يتجمع عليها يشــــــــــوف حَمــار الدوف
وهي تنصر منو غادي تسو رحيل الخوف

وهناك كلمات دارجيه ذكرها الفرجوني في تشبيهاته أظنها غائبه عن كثير من القراء , مثل الطنوب والوجيبه والمترار وهيق وقيع ولكن روعة اللوحه قد تشرح نفسها ينفسها , ونفس المطاره بنفس القوه رسم أحداثها الشاعر الأخطل رغم أن الأخطل لم يكون قد أرسل القمريه إنما وصف لنا أهتمامها بالرجوع فقمرية الفرجوني جعل لها ما يحثها على السفر والعوده والأخطل جعلها أنها مُصيف ولدت في الصيف أعتادت أن تشرب في الجبأتين وهو إسم موضع به ماء وجعل مواعيدها في وقت العصر وكما ذكرنا سابقاً أنها تريد أن تشرب وترجع لصغارها في الوكر وبدأ يصف لنا المطارده قائلاً :

فحُمت له أُصــــلاً وقد ســـاء ظنه ..... مُصيفٌ لها بالجــبأتين مشارب
فعارضعها يهوي وصدت بوجهها..... كما صدً من حس العدو المكالبُ
فلم أرى مـــــاينحوه ينحو لطائرٍ ..... ولا مثل تاليها رأى الشمس طالبُ
فأهوى لها مـــا لا ترى وتحرَدت .....وقد فرَقت ريش الذنابي المخـالبُ
بلمعٍ كـــطرف العين ليست تريثه .....وركضٍ إذا ما واكل الركضَ ثايبُ

وكان لا بد للفرجوني أن تنجو قمريته وتصل دار المحبوبه لأنها تحمل أناته وآهاته وحبه ويريد لكل ذلك أن يصل من خلال القمريه فوصف لنا كيف نجت بالرغم من أنه صعَب مهمتها مره أخرى ولكن نحن هنا لا تعنينا , ولكن الغريب أن الأخطل نفسه جعل القمريه تنجو ولكن لا يمكن أن يخيب صقره لأنه كان يشبه به حصانه فجعل الصقر يعارض أسراب القطا فوق جبل عاهن فأصبح ضحية الصقر ورجع صقره شبعان في
نهاية المطاف .
فقال الفرجوني :
غير اليوما تام تب ما بتموت لك صيده
والبجدعها القدر قطعاً حربتو تصـــيده
معلــــــوم في المقانص تربح الرصيده
والنوم للقـــــماح وأم الزرع حِصِـــيده
****
حصلَت الفريق وديارو ساعة النـــــافله
نظرت في البنات من غير حِفَل والحافله
لقت في حــــبيبي كفل أم سبيب الجــافله
وعنق الريل وعــــيون الجِـــديَه الغــافله

أما الأخطل فقال بعد أن نجت القمريه :
فعارض أسراب القطا فوق عاهنٍ .... فممتنعٌ منه وآخر شــاجبُ
فلما تنــــــاهى من قلوبٍ طرية ٍ..... تذكًر وكراً وهو شبعان آيبُ

نستلهم مما سبق أن الصوره الشعريه قد تتطابق وخاصه عندما تتشابه البيئه , فالشاعران يتشابهان في أشياء كثيره غير هذه القصيده فهما يتشابهان في حبهم للصيد ويتشابهان في البيئه وطريقة العيش فكلاهما عاش في الريف في شبابه ثم ذهب للمدينه وكلاهما اشتغل بالسياسه وكلاهما رعاة (جقله ) الناقه , والصور الجميله والتي تجي سهله وواسعة الخيال تاتي من بعد النظر وإتساع مسرح المشاهده في بئية الريف التي تمد الشاعر بمناظر غير محدوده وغير منتهية , مد البصر خلاء واشجار تعج بالاحداث وتتنوع مشاهدها وتتنوع مسمياتها وتكثر طرقها ومساربها يتعايش بها الجميع البشر والشجر والحيوان بشقيه الاليف والضاري بئيه تفرض فيها الطبيعه سطوتها وقوانينها
وأتمنى أن ألتقي معكم في صوره أخرى .
ولكم الود

الأربعاء، 31 أغسطس 2011

الظعن ومايترتب عليه على العشاق

الشديد من شدَ وأصلها من شدَ السرج للسفر والشديد هو الظعن (الضعن ) وأهلنا في الباديه يتخذون الشديد منهاج حياة أي يرحلون من مكان إلى مكان , لذلك بسمون العرب الرحل , والضعن كثيراً مايترك وضع ماساوي على بعض الناس وخاصه إذا ظعن أحد أطراف العشق وترك الآخر في الديار أو غذا مرَ الشاعر ببقايا دار قديمه جمعته مع محبوبته وله فيها ذكريات وتسمى الوِلي بكسر الواو وتسمى الأطلال بالفصحى , وأما إذا رحل العاشقين في ضعينه واحده فقد لا يسبب هذا وضعاً مأساويا لأحد الطرفين بل يشكل وضعاً حسناً ولكن دعوني أدلف للوضع المأساوي الذي تخلفه الضعائن : تعرفون وخاصه المجربين الفراق وخاصه إذا كان فراق ليس بعده أمل في اللقاء , فمثلاً أن يتجاور بيتين في الباديه في احد السنين وتنشأ محبه وعشق وعندما ينقضي الخريف ويأتي الصيف قد ينتفرق الجيران دون أمل أن يجمعهم جوار آخر , وهذا مايخلف وضع صعب للعشاق , فمثلاً يقول أمرئ القيس :
كأني غداة البــــــين لما تحمــــلوا.... لدى سمرات الحي ناقف حنظل
ففاضت دموع العين مني صبابةً... على النحر حتى بلَ دمعيَ محملي
فيشبه أمرئ القيس حالته عندما رأى أهلها يشدون (يتهئون للرحيل ) وهو يقف عند سمرات الحي وهي شجرات الطلح (السمر ) فشبه حاله وهو يبكي بمن يقشر الحنظل وتعرفون من يقشر الحنظل يخرج من الحنظل رائحه أشد من رائحة البصل فتسيل الدموع بغزاره । وأيضاً ود شوراني شاعر الباديه عندنا يقول في ذلك :
بعد النــــــــــافله عرب أمات عقلةً حازمه
قاموا علي التجار دايرين يقضُوا اللازمه
لي راحة المشــال جابوا التلوب متكازمه
بكره يخلوا عُشقا أم ريد قــــلوبن رازمه
وقال ايضاً :
رُخن كــــان مِطعم للبــــــــلد والديره
شيَل وقافا راحل روحي سـاقا أسيره
ياود شيخنا مشَن اليوم ضعاينو دميره
شِرب الريح وتقَب في فؤادي قمـــيره

وهنا تشابه بين ودشوراني وأمرئ القيس في غداة البين والغداة فالغداة هي الضحى وكان يقصد بها اليوم كله , وبعد النافله وهي
وصف ود شوراني وتعرفون النافله بعد شروق الشمس ومابعدها الضحى , وهو يحن ويتوقع بكره العشاق تصبح قلوبهم رازمه
أي بها وقع كوقع الرزمي وهو صوت الرعد ,و(تقَب ) معناها أشعل والقميره هي النار التي بها الجمر الذي لا يموت يوج ।
أما عنتره فقال :
ما راعني إلا حمـــولة أهلها.... وسط الديارتسف حب الخمخم
ولقد نظرت غداة فارق اهلها...نظر المحب بطرف عينٍ مُغرمِ
وأحب لو أشفيك غير تملقٍ... والله من سقمٍ أصــابك من دمي

نفس المأساة تتكررمع عنتر الذي لم يروعه الجيش الجرار ولكن راعه منظر اهل عبله وهم يتحملون , ونفس الموعد وهو الغداة
راعه منظر جمال الشيل يردمون بها البيوت والفراش والأغراض وتخيلوا معي نظر المحب بطرف عينٍ مغرم , وكذلك شاعر بادية الكبابيش ود إدريس يقول في ذلك :
العشـــــــــاقه جنيت بالشدر تتجارى
حاشه لسانه ما لالا ونطق بي فجاره
أنا وايــــــــــــــاك والقمري البقوقي
أسرتنا الهموم محن ام خدود في داره
ويقول :
الشدو الرحال باكريه جبدوا ضعاينو
سفَل شرفو والعشاق وراهو بعاينو

وقال أحدهم :
فأتبعتهم طرفي وفد حال دونهم ... عوارب رملٍ ذو إلاءٍ وشبرقِ
فعزيت نفسي حين بانوا بحسرةٍ... أمــــونٍ كبنيان اليهودي خيفقِ



وهنا منظر وداع من نوع مأساوي لا يعرفه إلا من جرب لوعة الفراق والوداع حينما تودع عزيزاً , وعينه هنا تتبع الراحلين حتى
إختفوا خلف الكثبان الرمليه , والحسره تحرق جوفه । وهاهو مناحي الدوسري شاعر باديه من الخليج يصف حاله ووجدهعندما فقد محبوبته بالرحيل والظعن بوجد من كان يرى وأصابه العمى فأصبح ضريراً وهنا يكون الوجد أكثر مما خلق اصلاً اعمى أوبمن قطعت كف يده اليمنى ظلماً وأما الناس فأصبح ياكل بيسراه وهان حاله فقال :



ياعلي ياوجدي من الغبن وجداه
وجد الضرير اللي من أول يشوفي
لامن بغى له بعض الاوقات مقضاه
لو كانت سهله صعبتها الظروفي
أو وجد مظلـــــــوم فقد كف يمناه
قطعت يمينو والخـــــــلايق تشوفي
قل اعتبــــارو يوم ياكل بيســــــراه
ويصد لو جاء للجمـــــــاعه ضيوفي



أما عمر بن كلثوم فيشبه حلة وجده بانها اشد من حالة الناقه التي فقدت صغيرها والمعروف ان حنين النوق هو أشد الحنين


والحنين هو صوت مستمر تخرجه الناقه , ويفوق حاله حال من فقدت ثمانيه من اولادها وبقى لها واحداً فقط , وحسبي انه


لوجدٌ شديد , وما أحره فقد الجنا وجنا الحشا حار , وما اجمله ان يشبه المحبوب بالجنا في المعزه فقال :



فما وجدت كوجدي ام سغبٍ ....أضلته فرجعت الحنينا


ولا شمطاء لم يترك شقاعا.... لها من تسعة إلا جنينا


تذكرت الصبا واشتقت لما ... رأيت حمولها أُصلاً حُدينا



وقد يتطور الوضع ويشتد الياس ويتضائل الامل فيدعو العاشقين على من امر الجماعه بالرحيل وهو هنا راس القبيله أو


الجماعه أو الخبير (العقيد) الذي يحدد مكان وموعد الظعن من مكان غلى مكان فنجد ود إدريس شاعر بادية الكبابيش


يتمنى أن تداهمهم الهوائل وتأخر سيرهم ويتمنى لهم البشتنه , ويتمنى لنسيبهم العيا (المرض) وأن تلدغ السوام


رأسهم الذي يقودهم ويتمنى ان تنطلق ماعزهم وتأتي إليه ليبحثوا عنها ويجدوها معه عله يراهم مره ثانيه لأنهم تركوه


دون راحله (زامله )ولم يتركوا له تلفون ليتصل بهم فقال :



الإنزفوا من دون داعي هدموا ساسُن


مو قل الخـــريف لكن قليل احساسن


يضوقوا البشتنه وهالةً تهدي حماسُن


يعيالم نســــــــــيبن ويلدغ الفي راسُن


ويقول



يروح معازُن إن شــــاء الله ويجيني طلقهم


عشان خلوني لا تلفون هلو ولا زاملةً بلحقهم


أما مناحي الدوسري شاعر بادية الخليج فيتمنى لهم المفأجاه بدهم الفرنج ليقتلوا روس القوم بمرهفات السيوف ويتمنى


أن تهاجهم الضواري السحم من الاسود والذئاب والكلاب الضاريه فتأكل من قدام وجوههم وتنهشكتوفهم فقال :


أقفوا بها لعلهم للمفـــــــــــاجأه


دهم الفرنج ومرهفات السيوفي


سحم الضواري من يمينو ويسراه


من قــدام وجهو وينهشن الكتوفي


وسوف نواصل بإذن الله في الأثر الذي تخلفه الظعائن بالمحبين والعشاق ...






الخميس، 28 أغسطس 2008

صور تتعلق بالضعائن ...


الصور أعلاه لمقدمة أحد الضعائن , وهي قد بدأت بالتحرك
وتتبعها الكلاب كالعاده لأن الكلاب ترحل مع أهلها حيث تنعم
أيضاً بخيرات الخريف من الأرانب والفئران والجرابيع والطيور
والحيوانات التي تموت في الباديه , وتظهر أن المقدمه بها
النساء والناظر خلف الصوره يجد الإبل باركه ولم تتحرك لأن
المقدمه من الأولى أن تصل أولاً لتعد العده لسائقي الإبل .

الصوره أعلاه للهودج , ويظهر هنا الهودج بدون الجمل

ولو نظرت إليه تجده كاملاً بزينته وزخرفته وماعليك إلا

أن تضعه على الجمل وتقوم بتثبيته على ظهر الجمل وتركب

عليه النساء ويسمى أيضاً بالحور أو الظُله , وما أروعه حين

يتمايل بالحسناء مع سير الجمل يمنى ويسرى .

الصوره أعلاه هي لجمل وقد حُمَّل عليه الهودج (الحور ) وتكون

المرأه راكبه بداخله حتى لايراها الرجال أثناء الرحيل وليقيها من

الحر لأنها غالباً ماتكون فتاه أو لها طفل صغير ليقوه حر الشمس .


ضعينة ود الشريقاوي

ود الشريقاوي الأب هو شاعر فذ من شعراء البطانه وهو
محمد حسب الله وإبنه عبدالله محمد حسب الله هو أيضاً
شاعر معروف في البطانه وهو من المعاصرين , له
عدة قصص مع الضعائن , فهناك ضعينه وجدها تسير
ولا تهمه ولكمها أزكت فيه نار الذكرى لمعشوقه قديمه
رحلت بها أحدى الضعائن ولم يقابلها حتى الآن , ومرات
تمر به ضعينه وتذكره مواقع وأماكن لها حيز كبير في جغرافيا
ذاكرته , وها هو اليوم يرحل قلبه خلف أحدى الضعائن
المتوجهه إلى منطقة ريره تلك المنطقه الجميله والرائعه
بوديانها وجبالها وسهولها وحفايرها وحسانها وتاريخ
فرسانها . يقول :
****
أصحاب الرجاله الكامله ما هُن عيِّل
عزموا الشيل وجابولو القفاــهو منيِّل
عقيدُن قـــــالهُن بدري الضعينه تشيِّل
قبَّال السحـــــاب فوق أم دروع بنقيِّل
****
بدأ الشاعر بتمجيد أهل الضعينه فوصفهم بالرجاله الكامله من
رجاله وكرم وشهامه ووصفها بالكامله دون نقصان فكل أوصاف
الرجاله تجتمع فيهم , ووصفهم بأنهم ليس بالعيِّل الصغار ,
فقال : هاهم قد عزموا الرحيل , وأحضروا الجمال القويه ,
التلوب وجمال الشيل , وهي التي ( قفاهو منيل ) أي لونه
يشبه النيله من السواد وهو العرق الذي يسيل في قفا ودومات
الجمل الأصيل وهي دلاله على تعوده على التعب والحمول .
وكما ذكرنا سابقاً فلابد لأي ضعينه من عقيد وهو الذي يقوم
بإدارة الرحول من أوله إلى آخره وهو الذي يقرر المشي والقيام
والإستقرار فهنا أمر العقيد بأنه لابد أن تشيِّل الضعينه باكراً
وهو يهدف يذلك بأن يقيِّل في أم دروع قبل أن تصب السحابه
وتخرب عليهم الطريق فهو خبير بالأمطار والأرض وعلم
النجوم ولابد أن يكون ذو خبره عاليه وله تجارب كثيره
ورأيه راجح .
****
السمــــــا جـــــال وقلعات الطوال إنغمَّن
والكــــــانن عِجاف فــــوق المِمِخات لمَّن
ليـــــالي الرحمه عــــادت والغرايز رمَّن
ضعاين الباديه فوق ضهر العواتي إنخمَّن
****
هنا يرسم لنا الشاعر لوحه جميله , وهي صورة السماء في
الباديه ويقول أنه جال , أي أخذت السحب تتحرك في إتجاهات
مختلفه وتقلع العفرت , والتعول رمت بظلالها فغطت قلعات
الطوال وقلعات الطوال إسم موضع وإنغمَّن أي غطاها الغمام
من كثرت السحب , وهاهي البهائم التي كانت عجاف وضعيفه
أيام الصيف قد تغير حالها وأصبحت سمينه من كثرة العشب
والماء , وعادت ليالي الرحمه ( رحمة الله ) من مطر وخير
وإخضرت الأرض ولبست حله زاهيه وأورقت الأشجار
وغردت الطيور , وهاهي الغرايز وهي جمع غارز وهي
البهيمه التي إنقطع لبنها بسبب الجوع أو الدرار وهاهي
الغرايز , رمَّن أي رمن أولادهن ( ولدن ) وكثر اللبن واللبا
وهذا مايجعل الضعائن تتحرك طلباً لهذا الخير والرحيل خلفه
وخلف أخباره , والضعائن تحمل على ضهور العواتي وهي
الجمال العاتيه التي تخم ما يحتاجه الظاعنين .
****
رحلوا وقـــــــالوا يالجيلاني من العاقه
قطعوا أب سعنه بي جيهة المخاده شفاقا
وصلو أمات قماري وختو في الدقــداقه
عشاهم بالعتـــــيم ماكشَّنو الفــــرطاقه
****
الشاعر مصر على الوصف الدقيق للرحله الجميله هذه وهنا
وأظنه قد كان يومها بالقرب من جبل كوفار , وهو مكان به
ضريح أحد الشيوخ بعد أن زاره الكبار تبركاً به , فهاهم قالوا
وطلبوا من الشيخ الجيلاني أن يجعل طريقهم أخضر وليس به
عوائق (العاقه ) , ويخبرنا بأنهم قطعو وادي أب سعنه وهو
وادي كبير , وتحديداً بجهة (المخاده ) وأصلها المخاضه وهي
نكان تخوض الماشيه لتقطع الوادي وغالباً ماتكون المخاده
من الرمل حتى لا يمسك الطين الماشيه ولا توحلها , وغالباً
ماتكون مستويه عند المخرج وليس بها حافه حاده وكانوا
حينها شفاقا أي عجلين ومستعجلين , حتى وصلوا أمات
قماري وهو موضع , وختو حمولهم في الدقداقه والدقداقه
مكان مكشوف ومجبر ليس به طين ولا أشجار ولا غيرها
قفر , ومادام اليوم كله رحيل وشيل وخت , فكان العشاء
من عتيم النوق الطازج وهي الحليب لمن لا يعرفون العتيم
وهنا يمجد هذا العشاء الطيب والمحبوب للظاعنين وهو
ليس كالكشنه , وظني هو الملاح المكشنين ليهو البصله
وقوله ما كشنوا الفرطاقه , أي لم يقوموا بأي طبخ إنما
تعشوا بحليب الإبل الطيب ,
****
من أمات قماري صباح ضعنهم قام
ودايرين النزول سدر الفــويل قدَّام
عقيدُن قالهُن لازم يكون في مقـــام
أبجلو الشيــــل وخلونا أنقَنِب أيام
****
بعد أن أمسوا في أمات قماري , هاهم اليوم أصبحوا على
الشديد بكل همه ونشاط , وضعنهم قام صباح وهي لها معنيين
أنهم قاموا باكراً في الصباح , أو كانوا متجهين شرقاً والصباح
هنا الشرق أي جهة (سدر الفويل ) قدام أي في طريقم ,وهنا أمر
العقيد بأنه لابد أن تقيم الضعينه للراحه وترتيب الرحله , وأمرهم
بأن يبجلوا الشيل أي ينزلوهو , وطلب منهم أن (يقنبوا ) أي
يقيموا أياماً في سدر الفويل .
***
يوم الرابعه عزموا الشيل مع الشهلال
ولقو مقلب جراد شابك قعــــــور النال
أبت ترضـــــابو بت اللي الرميم شيال
بتدور رتعة الحـــدب الورا الجـــــبَّال
****
بعد أن أقاموا أيامهم هناك وفي اليوم الرابع , قد عزموا على
مواصلة الرحله , وقاموا مع الشهلال وهو الضو الفجر وفي
طريقهم في مقلب جراد أن النال وهو نوع من النباتات التي
يشبه الثمام قد شبكت قعوره بالأوراق والخضره أي أن الحياة
بدأت تدب في قعور النال التي تجف صيفاً , وهاهي الإبل أبت
أي رفضت أن تقبل بأكل النال , وقلنا الإبل لأنه هو من حددها
لأنه وصفها بـ(بت اللي الرميم شيَّال ) أتدرون لماذا لأن الإبل
حينها كانت تحن وتسرع للوصول لأنها تريد أن ترتع في الحدب
حيث العشب الذي تحبه الإبل من الحنتوت والصفاري واللوب
والتبر وغيره والحدب جمع حدبه وهو المكان الواسع والملئ
بالأعشاب حيث الهواء النقي , وكما قلنا فإن الإبل تريد رتعة
الحدب الذي وراء جبال ريره .
فوق وادي الحمار قطع الزمل باكريه
وقالوا مبيتنا في صلب أم متيله عشيه
اللــــوب المفرَّق وببسط الحــــوريه
دشنَّبوا الحُنـــان عِن رتعة الضُهريه
****
مرت الضعينه بوادي الحمار وهو منطقه وكان مرورهم صباحاً
باكراً لأنهم يريدون أن يمسوا ويبيتو في أم متيله وهي منطقه
وهذا هو دور العقيد لأنه يعرف المسافات والأزمنه وحدد صلب
أم متيله وهو يقصد آخر منطقة أم متيله , وهنا كان عشب اللوب
المفرَّق وغير متشابك , قد أفرح الحوريه وهي المحبوبه فهاهي
الحنان قد (دشَّن ) والدشه أي أكل متجولاً في مواعيد رتعة
الضهريه وهي ساعة المقيل .
****
شالوا الليله من رِد أم متيله صبـــــــاح
مسافات ريره قربت وعمَّت الأفـــــراح
سافل أمات سيوف بلج الضعن وإرتاح
والباشــــــندي رسَّل عنبرو الفـــــواح
****
الليله هي اليوم قد شالوا من رد أم متيله والرد أي العشب الذي
ردت به السعيه وكان ذلك صباحاً لأن مسافات ريره قد قربت
وهي هدف الضعينه الأخير والأفراح عنت بقرب الوصول
والضعينه أحبتي قد حطت رحالها في آخر ماكنت تريد الوصول
إليه وكان ذلك في سافل أي شمال أمات سيوف , وإنبلج الضعن
وأنزل البيوت والحمول والشقاق وهدأت الجراسه من الرنين
وإنطلق الجميع في إعمار البيوت (بيوت الشعر ) ورتعت السعيه
وهاهي عطور الباديه قد بدأت في الفوحان وأرسل الباشندي
رائحته الزكيه والباشندي هو زهور أشجار الطلح لونها أصفر
ورائحته جميييييله ويسمى البرم .

الجمعة، 8 أغسطس 2008

ود إدريس والجريو والضعينه



عبد الله أحمد علي إدريس شاعر باديه متمكن , جاب الباديه

منذ نعومة أظافره , نما وترعرع فيها ( بادية الكبابيش ) وهي

قطعاً في غرب السودان . عشق فيها بناتها الجميلات وكان

يعشق جميله , تزوجت من غيره وكانت تحبه هي أيضاً ولكن

كما تعلمون لا رأي للبنت هناك .

في أحد الأيام أراد أن يزور الفريق عله يسعد برؤيتها أو يحدثها

وعزم السفر , ولكم عندما وصل إلى الموضع المحدد لم يجد

أحداً إلا الأطلال وهناك جريو ينبح وحتى الجريو نسوهو أهل

الفريق وعرف أن العرب قد ضعنوا أو رحلوا من هذا المكان

إلى آخر , دار حوار جميل بينه وبين الجريو , ولكن دعونا

نعرف ماذا قال شاعرنا للجريو وماذا قال الجريو له :


****


ياجريو الخراب قول ليَّ وينهن ناسك

شايل الليل نبيح حارس الديار بي راسك

في الأطلال تزوِّد في النبيح وحماسك

هامل إنت ولا نسوك من وين ساسك


****

الجريو :


أنا حرس أم خدود وجريو نسيباً ليهُن

كان جيتُن قريب لماني سيدي عليهن

ما قالولي راحلين أرح أندرج باريهن

رقدت وصحيت إلا لقيت تفل شاهيهن


****

ود إدريس :


يا حرس البحوم غفرو ودروبو حصينه

نبيحك مو صواب ظنيت طبايعك شينه

جزاك عرفولو غورك لا كُشك لا لبينه

بت العفنه أنا وإياك نووبه علينا


****


الجريو :


سمحه طبايعي مابنبح دوام أزعجهم

مابتعقب الحلَّال ولا إن جوهم ضيوف بحرجهم

ينبح في الصواب لأني عارفو نهجهم

بعد الهجعه بكشف سرقة الزول البجي يدارجهم


****


ود إدريس :


يالمهجور مهمَّل في الدمر وأطلالك

برا البيت المهدَّم والولي إن ضلالك

ماتجيب لي سؤالي وأستجيب لسؤالك

ناسك فاتو وإنت حارس الدار بتنبح مالك


****


الجريو :


طلبك بستجيبلو وبي العلي بحكالك

القور المكفي زعلي سببو الضعن الرحل قبَّالك

بنبح في الشدر لأني شفت زوالك

عندك نيه عارفك يالفقدت أمالك


****


ود إدريس :


مهجور الديار الفي الدمر بتسامر

ليلك كلو زي ماتشوف زوال بتجامر

كان مو زمانه عازم بي حياتنا يغامر

ما كان قادنا لي هُرب الصنوب الجامر


****


الجريو :


محبوب الآناس النصو مقسوم ضامر

هدَّم بيتو والكجره وعمارو العامر

عاكس الفي الصعيد بي إبلو سنتين دامر

نطحوبو الشمال بلد الوحيش الهامر


****


ود إدريس :


يالحارس الدمر حسَّك تقول فُقاعه

يامنجوه شنو الكرمك من ناسك النجَّاعه

براك وبره الديار والبلبله السجاعه

للجاييها ما خلت وراها مذكره أم صُقاعه


****


الجريو :


الكجراها قعدت في الدمر تتداعى

قامت بس كريس مانضمت كتير في وداعه

إن لولحت راسك وإن دبلبو القاعه

مابفرق معاي ومعاها غاشه جماعه


****


ود إدريس :


بدوية الغروب الهولتنا أفكاره

تب أمسينا من أورينق فراقه سكاره

محسونة حظوظاً وتاني قول ياجباره

حس القمري عاط أنا والجريو نتبارى


****


الجريو :


العشاقه جنت بالشدر تتجارى

ست الحشمه حاشه لسانه ما لالا ونطق بي فجاره

أنا وإياك والقمرى البقوقي سهاره

أسرتنا الهموم محن أم خدود في داره


****


ود إدريس :


وضِّح في جوابك ياللهيو أسعلك

أنا والقمري هينين إنت كيفن حلك

قورك مكفي ماتضوق الرفاهه نعلك

فارق جردل اللبن البجيك في محلك


****


الجريو :


قادر رافع الكون رازق المسكين

بجود منتظرو مايجيب لي عرب راحلين

الهدَّم فريقن وقاموا بالإتنين

رسمو القصه بي وضع الجريو ماكانوا مهتمين


****


ود إدريس :


من كُتر النبيح وتسكلجك غير فايده

غشوك بالكُشك جبدت جُمالهن قايده

بريبة الوحيش البي خلاها مصايده

رئيسة جيل وحوريه وجميلةً قايده


****




ياديار الشرف شرف الشبابات وينها

وين قمر الخريف الكلحبايس عـينها

الشدوله عُطفه ورشرشــوله سعينها

الله يضرو مقطوع النصيب الخشه بيني وبينها


****


العرب العمارهم خزنوهو وقــــا مو

بينها وبينا أيضاً وبين ضماياً ضــامو

العشاقو علي سهرة الليل المدبًّل قامو

قــــــام خلالنا في ككر الديار ألغــامو


****


شمس الكون غابت ولمَّن الأضلال

عشان مهجور وبقيت حالتي مابتتمنى في الأطلال

سعل ياقلبي للشدر الفروعو طوال

علي ليم الرحيل ظنيتو شوقك طال


****


قلبي الليله لاحنلو البروق وصبيبِن

قام ليلو الطويل ثم النجوم لي مغيبِن

في شرف المرسَّم بالحريره وضيبِن

كم علَّقت تاج هيبه وعملت نقيــــبِن


****


ياشين الديار عقب الي كاــــن نازلهن

تقول تربات مقابر والمطر عـــازلهن

السدَّن كدانهن وأبرمن لي غـــــزلهن

بنوت حور عظامه والوحي بغازلهن

****

يحزن الشاعر من منظر الديار بعد ما هجرتها صاحبته التي

كانت تنزلها , وحزن من منظرها بعد ما أتى عليها المطر فترك

أثره عليها وأصبحت كأنها مقابر غسلها المطر وغير ملامحها

وهي نفس الصوره التي ذكرها الأخطل سابقاً عندما قال :


ألا حييـــــا داراً لأم هشــــام ... وكيف تُنــــــادى دمنةٌ بســـــلام

محا عرصات الدار بعدك مُلبسٌ.. أهاضيب رجاف العشيُ ركام

عشية رحــــــنا والعيون كأنها ... جداول ســـــــيلٍ بتن غير نيام

أم هشام: صاحبته

دمنة : دار دارسه قديمه أطلال

العرصه ساحة الدار

الأهاضيب جمع هضبه وهي المطره

رجاف العشي : السحاب الحامل للبرق



أنظر للصدف هنا أن تتشابه الصوره الشعريه للشاعرين وكلاهما

ذكر أثر المطر على الأطلال وكلٌ ذكر صاحبته الغائيه وكلاهما أتو

لدار الحبيبه في العشاء , فجاء ود إدريس ليلاً فلم يجد سوى الجريو

وجاء الأخطل عشاءاً لأنه قال (عشية رحنا ) . وكلاهما سهر ليله

ولم يذق النوم حتى الصباح , وهناك شي غريب فالشاعر ود إدريس

قد سقط في آخر شطره , سقطه عقائديه عندما قال : (بنوت حور

عظاما والوحي بغازلهن ) وبهذا قد خالف تعاليم الإسلام لأن الوحي

كيف يغاول الحور ولا ننسى أن الأخطل نصراني الديانه .


****


متين عبو الرحيل ليل الشريف مابشاورو

مابين البشر لي الصي بدورو يجـــاورو

السادر غميدي وصبري ناوي يصــاورو

ينقِّد في التلوب مرمي البيوت ما بحلورو


****


أمسالي الوقت رمى الضلام جنحينو

حلق بي دارو ضقت تصوب النابلو الغصن في عينو

أهل العطَّر الخمره وسقــــابه قرينو

نطحو الوبلي نزلو وركرك القبلي أب هويش زرقينو


****


الفي الشده قام طير الجنان باريهن

نطحو الوبلي نزلو وركرك القبلي أب هويش باريهم

قامو كريس تقول عارفني بي نية ضرر جاييهن

من دي سلمو لكن أنمهل بوريــهم



****



بعدها سكت الجريو من النبيح , وهناك شخص يركب على بعير

قد وصل ليلاً , فعرف شاعرنا في ما بعد أنه صاحب الجريو

وعرف أنه زوج صاحبته , فسأله فقال شاعرنا :ـ أنا عندي شوهات

مع الجماعه ديل جيت آخذهن , فأخرج الرجل سعن مليان قارص

فأعطى شاعرنا فشرب وأرتوى جيداً لأنه كان عطشانا وجوعان

وصب أيضاً للجريو فشبع , ونام الجريو . لا حظ صاحبنا أن

الرجل لم ينزل السرج من البعير فعرف أنه

يريد أن يغادر مبكراً .


****


فقال ود إدريس :ـ


أنا وإياك يالفي الـــدار بتنبح حـــــارس

شرينا روينا في السعن المطقطق قارص

سيدك شايفو في البتغيصبو يبحث تارس

عشان مخــــلوفتو مادلاها ساكتاً كارس


****


أرقد يالجريو حظك نزلبو المـــــــيس

إنت نجـــــــيته لكن ظل ود إدريــــس

قضيتي إتدهورت حاجج وراها إبليس

بعد حضرو القضــــاة مابينفع البوليس


****


الرغمي الهـــــلاكي إتكــــــبدنو ندايدو

نام سيد بيتو في الدار والجريو والرايدو

فـــــــاهو معلب العسل العليهو سدايدو

كزمو يفوق علي الموز والقرين بلح الشمال في جرايدو

****

لو تمعنا النظر في الثلاثه مربعات السابقه , لعرفنا أن ود إدريس

قد إجتمع لأول مره مع الرجل الذي تزوج صاحبته , وثالثهم جريو

وهو صغير الكلب , والرجل قد أراد أن يأخذ الجريو باكراً ويتركا

ود إدريس في أرض خلاء لا أحد بها , وكان ود إدريس يتسطى

على الرجل ويكرهه لأنه قد تزوج محبوبته , وناموا ثلاثتهم في

الدار وكلُ واحد منهم يحرص من الآخر ومعه من السلاح ما

يحميه . وهو نفس موقف الأخطل لما جاء يزور الجماعه فلم

يجد سوى غراب وذئب وخاطبهم فقال :


وكيف يداويني الطبيب من الجوى ..وبَرَّةُ عند الأعور بن بياني

ينهنهني الحراس عـــــنها وليتني..قطعت إليها الليل بالرسفان

خليليَّ ليس الـــــرأي أن تذراني ..بدويةٍ يعوى بــــــها الصديان

وأرقني بعد مــــــانمت نومةً ..وعضبٌ جلت عنه القيون يماني

تصاحُبُ ضيفي غفرةً يعـــــــرفانها..غرابٌ وذئبٌ دائم العسلان


الجوى :السقم (مرض حامد ) . وبره : محبوبة الأخطل

الأعور بن بيان : الرجل الذي تزوج بره (شوكش الأخطل)

ينهنهني : يمنعني الحراس ,كما منع الجريو ود إدريس

الرسفان : المشي في القيد رويداً . العضب : السيف اليماني

بدويه : الدويه هي الأرض الخاليه التي لا يسمع فيها إلا

دوي الريح . العسلان هو سير الذئب .


فهل يمكننا أن نشبه الرجل بالغراب والكلب بالذئب , لأن الغراب

هو دليل شؤم وفراق والكلب من فصيلة الذئاب وود إدريس أخ

الأخطل . فذهب صاحب الجريو بكلبه وتركوا ود إدريس في الخلاء

كما فارق الأخطل الذئب والغراب وتركاه . والأخطل وو إدريس

كللإ منهم كانت محبوبته تحت وطئة رجل آخر قد رحل بها وظعن

معها وكلاهما يبكي على الأطلال بحسرته وشوقه وحبه .


****


المن إبلو قـــــام شادي البزيم باريهـا

رقد متكبد العبره البـــــلاوِك فيــــها

المهشوقو غـــــايسات التهم نافـــيها

شاكي مزريَّن الدوف والحقب كافيها


****


نمنا الـــــــليله في الدار البقت خــــــرباني

حاله كثيفه يات اللبقى لافخ من كلام التاني

نام بالخـــــــطه قــــايل القصه هي غابياني

شقالو الحمـــار ساق الجريو وقطَّر إتعداني


****


بعد علَّق ذهـــــابو والجـــــريو صفرلو

جبد رسن البعـــــيربــراحه وترب طفرلو

قايل روحو غشاني وحبل الهلاك قصرلو

مــــاني سيد رايحه لكــــن كنت بتبصرلو


***

هنا صحى الرجل وأخذ معه الجريو وغادر المكان يريد

أن يترك ود إدريس في الدار , ولكن ود إدريس يعرف

ذلك وأصبح الرجل يتحد مع جريوه فقال :


البتشكى من شوفة شياهو مطوِّل

خلو يضوقه يصبح في المر متهوِّل

قندول الفريك البستقاد مو معوِّل

بهجمو الليله بي تيس الجزو المتخوِّل


****


الجريو :


غشيم ياسيدي ظنيتك بليد بلحيل

بخاف تنغشى ماتركب تقابل الميل

جات في صالحو زولك وداب لقالو عديل

عليك بتسطى ماممودرشياه زول ليل


****

الرجل :


إن فيها عامل زول هجوم مابيخضعاً لي دار

هذا شيوم عدوك سيدو البنوم في الدار

إن كورك مغني وإن مدح بي طار

قبض أم تجه مابلم في الرحيل إن طار


****


وعندما حان الفجر صلى ود إدريس الفجر وأشرقت الشمس

وهنا بدا لو إدريس منظر الأطلال والبيوت المهدومه وأثر

النار وأماكن تواجد محبوبته وآثارها وآثار أهلها فقال :


****


غراره العبوس خاينه أم قدود كم هدَّت

عمار باديه ومداين وبالتراث أمتدت

بعد زام المكعَّم والتلوب إنشدت

عاد جرس الشلايل والضعاين قدَّت


****


الشدوا الرحال باكريه جبدو ضعاينو

سفَّل شرفو والعشاق وراهو بعاينو

رحلوبو البتجهر للبواقرو رتاينو

ختو ربايطو في صياً ولوفه رواينو

ــــــــــــ

هذه لحظة الفراق وما أقساها لحظه عندما تغادر الظعائن المكان

متجهه إلى الفلاة الواسعه بعيداً عن العشاق البافين في الأطلال

ولم يبقى للعشاق سوى إرسال النظرات خلف الظعائن كنظرة وداع

قد تطول المده فيه أو قد يكون وداع إلى ما لا نهايه لأن بعض الناس

يجوب الباديه دون مكان إقامه , ودائماً أو غالباً ماترحل الظعينه

باكراً أو أول الصباح (الغداة) وحال شاعرنا هنا كحال من سبقه من

العشاق والمحبين الذين فارقهم من يحبون ومفس الموقف قال فيه

أمرئ القيس :ـ


كأني غداة البين يوم تحملوا... لدى سمرات الحي ناقف حنظلِ

أي يوم أن رحلوا كان يقف عند شجرات السمر التي جوار الحي

وكأنه يقشر الحنظل (ينقرف ) وما أمره من إحساس .

وقال عن هذا الموقف عنتر :


ولقد نظرت غداة فارق أهلها ... نظر المحب بطرف عينٍ مُغرم

وأحب لو أشفيك غير تملقٍ ... والله من سقمٍ أصابك من دمي

وقال في موضع آخر :

فأتبعتهم طرفي وقد حال دونهم... عوارب رملٍ ذي إلاءٍ وشبرق

فعزيتُ نفسي حين بانوا بحسرةٍ...أمونٍ كبنيان اليهودي خيفق

,,,,,,

أيضاً كما ود إدريس وأمري القيس فارقت محبوبة عنتر عند

الغداة وكرفيقيه كان يحس الفراق وطرفه يتابع .


ولا أظن أن الأخطل لم يصور هذا الموقف العصيب فقال عندما رأى

أهلها قد تجمعوا للرحيل فبكى وزرفت عيناه الدموع من خوف الفراق


فقال في هذا الموقف :

شرقن إذ أعصر العيدان بارحها ...وأيبست غير مجرى السنة الخُضُر

فالعــــــين عانيةٌ بالمـــاء تسفحه...من نيةٍ في تلاقي أهلـــــــها ضرر


,,,,,

ولا بد أن نعرج على شيخ العشاق وفراش الباديه الشاعر الكبير

ود شوراني الذي رحل قلبه مرات ومرات مع معشوقه وأيضاً

قد رحل منامه وقلبه خلف الضعائن فقال :


عُربان الجميل وظريف وناير ونادي

سارو وصُحبتن قلبي الولوف ورقادي



****


دهجيرة الضعن ما خبروبه قصيرهن

أصلو المزني مهما تطول مسافتو مصيرُن

الفي الشيل بعادل للربيطه سريرهن

قولو حساده مابدو المسافه ضميرهن


****


رحلو وقامو قاد راس الضعينه خبيرهن

بالعقبه أم سموم رشو السعين لصغيرهن

بالحور والعُطف عمسو البتل بتقيلهن

البيت والخيَّش ثم الكِدان وشليلهن

****

الأبيات السابقه يوضح فيها الشاعر أن الضعينه التي رحلت

قد كان في قيادتها خبير هذه الجماعه وهو غالباً مايكون رجل

من الكبار والخبراء بمعرفة الطريق ومعرفة الطرق والأماكن

ورجل ذو تجارب كثيره ,وذكر العقبه أم سموم وهي الفلواات

الشاسعه الخاليه والتي تعبرها الضعينه حتى تصل مكان الماء

ومادام ذكر أن الجماعه رشو سعن الماء والسعن هو من جلد

الحيوانات (قربه ) صغيره يتم ملئه بالماء ومادام ذكر السموم

فيعني أن الدنيا صيف وأول الخريف والسموم هي الرياح

الحاره التي تهب نهار الصيف , وذكر الحور والحور هو الهودج

الذي تُحمل عليه الجميلات , عمسو : أي ملأو وأثقلوا الحمول

البتل : البعير الذي يأتون به لحمل الأثقال وهو يتل يعني يضرب

برجله الأرض وتظهر أصوات الحمول والأجراس والودع الذي

تُزين به الضعينه , والعطف والكدان هذه هي بيوت الشعر

والشلايل هي تزيينات يُزين بها الحور ليظهر في تبختر وجمال .


هذه اللوحه الجميله تطابق لوحه رائعه رسمها الأخطل منذ قديم

الزمان , لأن العادات نفس العادات والرحيل نفس الرحيل والباديه

هي الباديه والجميله هي هي عندما قال :


صحا القلب إلا من ظعائن فاتني .. بهن أميرٌ مستبدٌ فأصعدا

وقربن للبين الجمال وزُينت ..بأحمر من لُك العراق وأسودا

وقلن لحـــــاديهن ويحك غننا .. بحداء أو بنت الكناني فدفدا

يَقِلنَّ إذا مااستقبل الصيف وقدةً وجرَّ على الجد الظنون فأنفدا

أصعدا : مضى وسار في أرض مرتفعه

وقربن : أتن بالجمال للحمل

يَقلن : يهجعن إلى القيلوله

وقدة الصيف : حرالصيف

الجُد : البئر

الظنون : القليل


****


عقدو القومه تب نية الرحيل باتوبه من بالليل

رقدو ربيطه بدري يترازمن قايمات تلوب الشيل

ميكاييل ضربولو وزوَّد الكيل كيل

ختمو الوادي نزلو مشارف الوادي البدلي السيل


****


الرزمن تلوبهن وغادرن ميدانهن

جرس الحور وبُراقه والضبايا ثم الشليل وكدانهن

بعد فاتو أمرميتهن ووخروا أم عيدانهن

إتكركر صباح رقد أم سقيب بي أوزانهن


****



****


عقبو الصافيه بي غرب والمسافه تدانت

جبال الغره طارت والطرابيل بانت

علي العشاقه من ألم الضمير كم عانت

أعلن نفسو ود إدريس مهاجر والقماري إتغانت


****


الشدو الحوايا وكرَّبوا العطَّاف

رصو ضبايه درعو المُفرع الفيهو الودع لصَّاف

مشيهن بالقمر مابضووا بي كشاف

دليلن قايس العقبه وصميم مابخاف


****


الرزق المدبَّك سايقو زولاً واعي

غنم الصيف حِزم المعاز كتير يسعِّن المو ساعي

الجنى جامع البقر في نفسو إمسي ويداعي

دارع سعنو ماتنيى الحمير دايرات وحيدِن واعي


****


حملانهن يعيطن ولبلبن عتانهن

الزهمول هياج ويتناطحن تيرانهن

بعد نزلو الضهور وتباينن نيرانهن

يبنو البيت بعيد بخاف الكل يضر جيرانهن


****

أبقي آآلباديه عشره وأوعي ما أوصيكي

أبقي أمينه لي النزلن بيوتن فيكي

بعد خرًّف خلاكي وإنسرف واديكي

الخرطوم عُقب ناديهو مابناديكي


****


وبعدها إنطلق خيال الشاعر يخاطب الباديه ويرسم لنا لوحه

فنيه عالية الجمال عن الباديه وروعتها وجمالها أيام

الخريف وروعة المراحيل والضعاين وألم الفراق وبدأ

يدور بالخلاء عله يجد من يؤانسه ويتبادل معه الحديث

بعد ما ألم به من فاجعه . وسوف نعود لنعرف هل غادر

أم طاف بعقله شيٌ آخر .


لم يغادر الشاعر لأنه قد تذكر أن بالبيوت القديمه وعل (الشِعب)

هنام صُرر (جمع صُره ) فتخيل أن البنت قد تكون تركت مذكره

أو وصيه في هذه الصُرر , فعاد وبدأ يفتح الصُرر واحدةٌ واحده

فلم يجد غير , بركة الفقير وهي تراب قبر الشيخ المتوفي

ويسمونها بركه ومصرور معها (الهبود ) الرماد وعقارب

ميته ومصروره وهذه من عادات أهل الباديه يعتقدون أن هذا

الفعل يحفظ الدار حتى السنه المقبله فقال :

ــــــــ

قلبي الهبَّ نسامو وطبقلوا عُصاركُن

أمسيت لاهي أصبح لي مربَّط في الدمر صراركُن

أخد لي دقسه باكريه وحلق بي داركن

غير القمري مالقيت من يجيب أخباركن


****


يا أم سيحان سميرك في الدمر مضروب

ضعنك ولى فات مابيلحقو الأقروب

بقول في إنه وين ما أشوف دليق مكروب

كل نفيتو مالقيت حاجه غير البركه والعقروب


****


البرك المرَّبط في التُكُل صراره

بيها إتكتح سوى البدع في داره

تقابة الفريق الـ للغشيم ماغاره

بي بهدلتو لمَّ القصه لي رب العباد إختاره


****


عجَّت نفسي بالحسره وهمومي إتوالت

لفَّت لاعبه سبعه تمانيه خمسه وضالت

داست راسه شافت رايه ختت وشالت

لقت أقدامه في ثمد الرمال إنهالت


****


العرب المربَّط في المحاصه بركُّن

قامو عجاله خلو الفي الديار قابض كراعو شركُّن

يروح معازُن إن شا الله ويجيني طلقكُن

عشان خلوني لا تلفون هلا ولا زاملةً بلحكُن


****


الإنزفُّوا من دون داعي هدموا ساسُن

مو قل الخريف لاكن قليل إحساسُن

يضوقوا البشتنه وهالةً تهدِّي حماسُن

يعيالُن نسيبُن ويلدغ الفي راسُن