الخميس، 28 أغسطس 2008

ضعينة ود الشريقاوي

ود الشريقاوي الأب هو شاعر فذ من شعراء البطانه وهو
محمد حسب الله وإبنه عبدالله محمد حسب الله هو أيضاً
شاعر معروف في البطانه وهو من المعاصرين , له
عدة قصص مع الضعائن , فهناك ضعينه وجدها تسير
ولا تهمه ولكمها أزكت فيه نار الذكرى لمعشوقه قديمه
رحلت بها أحدى الضعائن ولم يقابلها حتى الآن , ومرات
تمر به ضعينه وتذكره مواقع وأماكن لها حيز كبير في جغرافيا
ذاكرته , وها هو اليوم يرحل قلبه خلف أحدى الضعائن
المتوجهه إلى منطقة ريره تلك المنطقه الجميله والرائعه
بوديانها وجبالها وسهولها وحفايرها وحسانها وتاريخ
فرسانها . يقول :
****
أصحاب الرجاله الكامله ما هُن عيِّل
عزموا الشيل وجابولو القفاــهو منيِّل
عقيدُن قـــــالهُن بدري الضعينه تشيِّل
قبَّال السحـــــاب فوق أم دروع بنقيِّل
****
بدأ الشاعر بتمجيد أهل الضعينه فوصفهم بالرجاله الكامله من
رجاله وكرم وشهامه ووصفها بالكامله دون نقصان فكل أوصاف
الرجاله تجتمع فيهم , ووصفهم بأنهم ليس بالعيِّل الصغار ,
فقال : هاهم قد عزموا الرحيل , وأحضروا الجمال القويه ,
التلوب وجمال الشيل , وهي التي ( قفاهو منيل ) أي لونه
يشبه النيله من السواد وهو العرق الذي يسيل في قفا ودومات
الجمل الأصيل وهي دلاله على تعوده على التعب والحمول .
وكما ذكرنا سابقاً فلابد لأي ضعينه من عقيد وهو الذي يقوم
بإدارة الرحول من أوله إلى آخره وهو الذي يقرر المشي والقيام
والإستقرار فهنا أمر العقيد بأنه لابد أن تشيِّل الضعينه باكراً
وهو يهدف يذلك بأن يقيِّل في أم دروع قبل أن تصب السحابه
وتخرب عليهم الطريق فهو خبير بالأمطار والأرض وعلم
النجوم ولابد أن يكون ذو خبره عاليه وله تجارب كثيره
ورأيه راجح .
****
السمــــــا جـــــال وقلعات الطوال إنغمَّن
والكــــــانن عِجاف فــــوق المِمِخات لمَّن
ليـــــالي الرحمه عــــادت والغرايز رمَّن
ضعاين الباديه فوق ضهر العواتي إنخمَّن
****
هنا يرسم لنا الشاعر لوحه جميله , وهي صورة السماء في
الباديه ويقول أنه جال , أي أخذت السحب تتحرك في إتجاهات
مختلفه وتقلع العفرت , والتعول رمت بظلالها فغطت قلعات
الطوال وقلعات الطوال إسم موضع وإنغمَّن أي غطاها الغمام
من كثرت السحب , وهاهي البهائم التي كانت عجاف وضعيفه
أيام الصيف قد تغير حالها وأصبحت سمينه من كثرة العشب
والماء , وعادت ليالي الرحمه ( رحمة الله ) من مطر وخير
وإخضرت الأرض ولبست حله زاهيه وأورقت الأشجار
وغردت الطيور , وهاهي الغرايز وهي جمع غارز وهي
البهيمه التي إنقطع لبنها بسبب الجوع أو الدرار وهاهي
الغرايز , رمَّن أي رمن أولادهن ( ولدن ) وكثر اللبن واللبا
وهذا مايجعل الضعائن تتحرك طلباً لهذا الخير والرحيل خلفه
وخلف أخباره , والضعائن تحمل على ضهور العواتي وهي
الجمال العاتيه التي تخم ما يحتاجه الظاعنين .
****
رحلوا وقـــــــالوا يالجيلاني من العاقه
قطعوا أب سعنه بي جيهة المخاده شفاقا
وصلو أمات قماري وختو في الدقــداقه
عشاهم بالعتـــــيم ماكشَّنو الفــــرطاقه
****
الشاعر مصر على الوصف الدقيق للرحله الجميله هذه وهنا
وأظنه قد كان يومها بالقرب من جبل كوفار , وهو مكان به
ضريح أحد الشيوخ بعد أن زاره الكبار تبركاً به , فهاهم قالوا
وطلبوا من الشيخ الجيلاني أن يجعل طريقهم أخضر وليس به
عوائق (العاقه ) , ويخبرنا بأنهم قطعو وادي أب سعنه وهو
وادي كبير , وتحديداً بجهة (المخاده ) وأصلها المخاضه وهي
نكان تخوض الماشيه لتقطع الوادي وغالباً ماتكون المخاده
من الرمل حتى لا يمسك الطين الماشيه ولا توحلها , وغالباً
ماتكون مستويه عند المخرج وليس بها حافه حاده وكانوا
حينها شفاقا أي عجلين ومستعجلين , حتى وصلوا أمات
قماري وهو موضع , وختو حمولهم في الدقداقه والدقداقه
مكان مكشوف ومجبر ليس به طين ولا أشجار ولا غيرها
قفر , ومادام اليوم كله رحيل وشيل وخت , فكان العشاء
من عتيم النوق الطازج وهي الحليب لمن لا يعرفون العتيم
وهنا يمجد هذا العشاء الطيب والمحبوب للظاعنين وهو
ليس كالكشنه , وظني هو الملاح المكشنين ليهو البصله
وقوله ما كشنوا الفرطاقه , أي لم يقوموا بأي طبخ إنما
تعشوا بحليب الإبل الطيب ,
****
من أمات قماري صباح ضعنهم قام
ودايرين النزول سدر الفــويل قدَّام
عقيدُن قالهُن لازم يكون في مقـــام
أبجلو الشيــــل وخلونا أنقَنِب أيام
****
بعد أن أمسوا في أمات قماري , هاهم اليوم أصبحوا على
الشديد بكل همه ونشاط , وضعنهم قام صباح وهي لها معنيين
أنهم قاموا باكراً في الصباح , أو كانوا متجهين شرقاً والصباح
هنا الشرق أي جهة (سدر الفويل ) قدام أي في طريقم ,وهنا أمر
العقيد بأنه لابد أن تقيم الضعينه للراحه وترتيب الرحله , وأمرهم
بأن يبجلوا الشيل أي ينزلوهو , وطلب منهم أن (يقنبوا ) أي
يقيموا أياماً في سدر الفويل .
***
يوم الرابعه عزموا الشيل مع الشهلال
ولقو مقلب جراد شابك قعــــــور النال
أبت ترضـــــابو بت اللي الرميم شيال
بتدور رتعة الحـــدب الورا الجـــــبَّال
****
بعد أن أقاموا أيامهم هناك وفي اليوم الرابع , قد عزموا على
مواصلة الرحله , وقاموا مع الشهلال وهو الضو الفجر وفي
طريقهم في مقلب جراد أن النال وهو نوع من النباتات التي
يشبه الثمام قد شبكت قعوره بالأوراق والخضره أي أن الحياة
بدأت تدب في قعور النال التي تجف صيفاً , وهاهي الإبل أبت
أي رفضت أن تقبل بأكل النال , وقلنا الإبل لأنه هو من حددها
لأنه وصفها بـ(بت اللي الرميم شيَّال ) أتدرون لماذا لأن الإبل
حينها كانت تحن وتسرع للوصول لأنها تريد أن ترتع في الحدب
حيث العشب الذي تحبه الإبل من الحنتوت والصفاري واللوب
والتبر وغيره والحدب جمع حدبه وهو المكان الواسع والملئ
بالأعشاب حيث الهواء النقي , وكما قلنا فإن الإبل تريد رتعة
الحدب الذي وراء جبال ريره .
فوق وادي الحمار قطع الزمل باكريه
وقالوا مبيتنا في صلب أم متيله عشيه
اللــــوب المفرَّق وببسط الحــــوريه
دشنَّبوا الحُنـــان عِن رتعة الضُهريه
****
مرت الضعينه بوادي الحمار وهو منطقه وكان مرورهم صباحاً
باكراً لأنهم يريدون أن يمسوا ويبيتو في أم متيله وهي منطقه
وهذا هو دور العقيد لأنه يعرف المسافات والأزمنه وحدد صلب
أم متيله وهو يقصد آخر منطقة أم متيله , وهنا كان عشب اللوب
المفرَّق وغير متشابك , قد أفرح الحوريه وهي المحبوبه فهاهي
الحنان قد (دشَّن ) والدشه أي أكل متجولاً في مواعيد رتعة
الضهريه وهي ساعة المقيل .
****
شالوا الليله من رِد أم متيله صبـــــــاح
مسافات ريره قربت وعمَّت الأفـــــراح
سافل أمات سيوف بلج الضعن وإرتاح
والباشــــــندي رسَّل عنبرو الفـــــواح
****
الليله هي اليوم قد شالوا من رد أم متيله والرد أي العشب الذي
ردت به السعيه وكان ذلك صباحاً لأن مسافات ريره قد قربت
وهي هدف الضعينه الأخير والأفراح عنت بقرب الوصول
والضعينه أحبتي قد حطت رحالها في آخر ماكنت تريد الوصول
إليه وكان ذلك في سافل أي شمال أمات سيوف , وإنبلج الضعن
وأنزل البيوت والحمول والشقاق وهدأت الجراسه من الرنين
وإنطلق الجميع في إعمار البيوت (بيوت الشعر ) ورتعت السعيه
وهاهي عطور الباديه قد بدأت في الفوحان وأرسل الباشندي
رائحته الزكيه والباشندي هو زهور أشجار الطلح لونها أصفر
ورائحته جميييييله ويسمى البرم .

ليست هناك تعليقات: